السبت، 18 يناير 2020

أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
                                             فوائد أصولية ومقاصدية من الآيات القرآنية
الدكتور ياسر طرشاني 
جاءت هذه الآية في جزء من قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]. (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض، وقد نهى عن الاختلاف في أصول الدين وقد بعث الله كل الرسل لإقامة الدين والألفة وترك الاختلاف . والمقصود بإقامة الدين :أقام الشيء أي أدامه ، ومنه قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة} [البقرة: 3] أما الدين: من دان وهي من الجزاء والمكافأة، وفي وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] أي لمجزيون ومحاسبون ومنها (الديَّان) اسْم من أَسمَاء الله عز وَجل وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم والمجازي بِالْخَيرِ وَالشَّر والحاسب والقهار ، والدين بمعنى الطاعة ، ودان ديانة من الخضوع والذل والطاعة وجمعها أديان، وهي الاعتقاد بالجنان وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعمل الْجَوَارِح بالأركان و "الدين هو وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إيّاه إلى الصّلاح في الحال والفلاح في المآل. وهذا يشتمل العقائد والأعمال" 
1. دلالة الأمر في قوله تعالى:" أن أقيموا الدين هو الوجوب؛ لأن من مقاصد الشريعة الإسلامية مقصد حفظ الدين من أول مقاصد الشريعة الإسلامية وهو من الضروريات، ووجوب إقامة الدين يكون بحسب مقدار العلم ، وبقدر الاستطاعة ؛ لقوله تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] 
2. بعد أن أمرنا الله بإقامة الدين نهانا عن التفرق المذموم، وقد وضح ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير أن الاختلاف في الأصول يؤدي إلى هدم الدين، ولذا كان الأمر لكل فرد في الأمة أن يكون معينا لغيره في تحقيق مقصد حفظ الدين أما الاختلاف في الأصول فهو يؤدي لضياع أمور الدين، بخلاف الاختلاف في الفروع فذلك من الاجتهاد الفقهي المشروع في الإسلام وهو من محاسن الشريعة، فقد قال رسول الله:" مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " ،و قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد». ومعنى الفرق هو إحداث الفرقة، فرق القاضي بين الزوجين: حكم بالفرقة بينهما، وفي القرآن الكريم: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] 
3. المراد: ولا تتفرقوا في إقامته بأن ينشط بعضكم لإقامته ويتخاذل البعض، إذ بدون الاتفاق على إقامة الدين يضطرب أمره 
4. وضح ابن العربي أن التفرق المنهي عنه ثلاثة أنواع : التفرق في العقائد، والاختلاف المذموم، والتخطئة على المجتهدين، فقد قال الرسول عليه السلام: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، فغربت عليهم الشمس قبلها، فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة، فما عابهم الله بذلك في كتابه، ولا عنفهم به رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، فقد صلت منهم طائفة 
5. فرق بعض العلماء بين تفرقوا وتتفرقوا، فقد جاءت في سورة آل عمران كلمة تفرقوا في قوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]؛ لأن الحديث عن أمة مسلمة واحدة فناسب حذف التاء، فالنهي عن أقل اختلاف في الدين بخلاف الآية في سورة الشورى الحديث فيها عن الأمم السابقة فبقيت التاء على أصلها {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: 13]،وقد ذكرت في موضع آخر في نفس السورة {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] . 
6. هذه الآية تحثنا على العمل لتحقيق مقصد حفظ الدين، وهو أعلى مقاصد الشريعة الإسلامية، ولذا علينا أن نتعاون جميعا لإقامة الدين بكل الوسائل التي تحافظ عليه بالعمل به والدعوة إليه والجهاد في سبيله والتحاكم إليه، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة لنشر الدين، ونشر الأبحاث العلمية للعمل على حفظ الدين ونشره بين العالمين ، والتوقف عن كل الوسائل التي تؤدي إلى التفرق في الدين ، كالإنكار على المجتهدين، والانشغال بالفروع عن الأصول، وانتشار البدع، والتنازع والشقاق بين المسلمين؛ لأنه يؤثر على إقامة الدين وتحسين صورته عند غير المسلمين ، وكذلك التوقف عن نشر الشبهات بل العمل على ردها والدفاع عن الدين، وتوضيح الصورة الصحيحة للإسلام لتحبيب الناس في دين الله العظيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق